استقبل الناس فى جنوب السودان اتفاقية السلام التى وقعتها الحكومة السودانية مع الحركة الشعبية لتحرير السودان فى يناير كانون الثانى عام الفين وخمسة بحرارة بعد اكثر من عقدين من الحرب الاهلية التى ادت الى مصرع مئات الالاف من السودانيين.
الا انه فى الوقت الذى كانت فيه الحكومة السودانية تتفاوض مع متمردى جنوب السودان فى نيفاشا ومشاكوس فى كينيا من اجل السلام، كانت طبول الحرب تدوى فى مناطق اخرى من انحاء البلاد.
ومن الملاحظ ان العامل الجغرافى لعب دوراً اساسياً فى السنوات الاخيرة من تاريخ السودان عندما تحولت المعارضة فى الاطراف الى حركات مسلحة تتبع الانموذج الذى قدمه الجنوب منذ الخمسينيات.
ففى شرق السودان حمل حزب مؤتمر البجا السلاح ضد حكومة الخرطوم منذ بداية التسعينات.
ويقول د. محمد شريف احد قياديى مؤتمر البجا ان الامر يعود لشعور مناطقهم بالتهميش.
ويضيف شريف قائلاً " إن اصرار الحكومة السودانية على انها لن تفاوض الا من حمل السلاح دفعنا لتبنى المعارضة المسلحة."
وبدأت دارفور فى غرب السودان تشهد مرحلة جديدة من التوتر: الحركات المعارضة للخرطوم، ايضاً بقوة السلاح.
بل و تعدت مشكلة دارفور حدود البلاد لتتخذ شكلاً دولياً. كما علت اصوات تطالب بارسال قوات دولية للمنطقة للحد من الصراع هناك، الامر الذى استهجنه وزير الخارجية السودانى مصطفى عثمان اسماعيل فى وقت من الاوقات.
وحذر اسماعيل من ان اى محاولة للتدخل العسكرى الاجنبى فى دارفور ستكون مماثلة لما حدث فى العراق واضاف: "ستبدأ وتيرة العنف فى دارفور تماماً كوتيرة العنف الدائر فى العراق وبعد ذلك ستتحول دارفور كلها الى منطقة عنف تجاه هذه القوات التى ستعتبر قوات غازية و محتلة."
وقد ساعدت مساحة السودان الشاسعة بالاضافة الى جواره لتسع دول على سهولة تحرك هذه الحركات المعارضة المسلحة.
كما ان تقلب العلاقات الدبلوماسية بين الخرطوم وبعض من دول الجوار ساعد حركات المعارضة المسلحة على ايجاد ارضية تنطلق منها.
لكن السوال المطروح هو: ما الذى دعا المعارضة السودانية الى خلع الثوب الوحدوى السياسى والتحدث عن مطالب اقليمية وبقوة السلاح؟
يعزى الصحفى و المحلل السياسى السودانى حسن ساتى الامر الى جدية المفاوضات التى جرت بين الحكومة السودانية ومتمردى الجنوب الذين حملوا السلاح ضد الخرطوم.
ويضيف ساتى: "لم يسبق و ان انخرطت الحكومة السودانية فى مفاوضات قوية وجادة بالشكل الذى فعلته مع الحركة الشعبية لتحرير السودان ويقال إن ذلك كان بسبب الثقل العسكرى للحركة وبالتالى فان ذلك اصبح المنطق السائد.
وقد حمل حزب الامة السلاح فى وقت من الاوقات كما تبنى الحزب الاتحادى الديموقراطى العمل المسلح.
اما دارفور فقد هرولت الى الامام وبدأت اساساً بحمل السلاح فى فبراير شباط عام الفين وثلاثة وما تلاها من احداث الى ان تصاعدت الازمة فى دارفور وقفزت من المناخ الافريقى الى مجلس الامن الدولى."
وتتحدث التقارير الان عن احتمال قيام حركات معارضة فى شمال السودان بحمل السلاح كما فعلت تلك الموجودة فى شرقه وغربه. وذلك على الرغم من ان التجارب السابقة اوضحت ان الشماليين لم يحملوا السلاح من مناطقهم وحتى الشماليون الذين حملوا السلاح فعلوا ذلك بعيداً عن مناطقهم.
ولعل هذا يشير الى البعد الجغرافى الذى يحكم خيارات المعارضة فى مختلف انحاء السودان فى تعاملها مع المركز فى الخرطوم.