المولد وبداية الظهور
ولد علي دينار في قرية "شوية" بدارفور، ولا يوجد تاريخ محدد لولادته، لكن يمكن تقدير تاريخ مولده ما بين عام (1272هـ= 1856م) وعام (1287هـ=1870م). أما أبوه فهو "زكريا بن محمد فضل" ولا يوجد شيء عن طفولته أو نشأته أو شبابه، إلا أن أول ظهور له كان في (جمادى الآخرة 1306هـ= فبراير 1889م) عندما ساند عمه السلطان "أبو الخيرات" في تمرد "أبو جميزة"، ثم هرب مع عمه بعد هزيمة التمرد.
كان "الفور" الذين ينتمي إليهم "علي دينار" يقيمون جنوب غرب جبل مُرّة بعد سيطرة المهديين على دارفور، وعندما توفي السلطان "أبو الخيرات" في ظروف غامضة عام (1307 هـ=1890م) كانت المهدية تسيطر على دارفور وكردفان، فطلب أمير هاتين المنطقتين من "علي دينار" المثول بين يديه في مقر رئاسته في "الأُبَيْض"، والخضوع لأمير المهدية في "الفاشر" –عاصمة دارفور- "عبد القادر دليل"، إلا أن "علي دينار" كان قلقا من هذا اللقاء وآثر أن يُبدي الخضوع للمهدية دون أن يلتقي بأمرائها، غير أن هناك أخبارا تؤكد أنه التقى بخليفة المهدي "عبد الله التعايشي" في عام (1309 هـ=1892م) وبايعه.
وهناك ارتباك ملحوظ في سيرته خلال هذه السنوات الست التي تلت تلك المقابلة، ومن الصعب حمل أي شيء فيها على اليقين التام. ويُقال لم يشترك في معركة "كرري" الفاصلة بين المهدية والإنجليز في (صفر 1310 هـ = سبتمبر 1898) والتي انتهت بهزيمة المهدية، حيث خرج من "أم درمان" خلسة مع 300 من أتباعه قاصدا دارفور.
قصد "علي دينار" الفاشر عاصمة دارفور التي سيطر عليها في ذلك الوقت شخص يُسمى "أبو كودة" معلنا نفسه سلطانا عليها بعد انهيار المهدية، وكتب إلى "أبو كودة" شاكرا صنيعه في تخليص دارفور من المهدية، ثم طلب منه التخلي له عن العرش، فانصاع "أبو كودة" لهذا المطلب بعد تمنع، ودخل "دينار" الفاشر فاتحا لها بدون قتال.
كانت دارفور مطمعا لكثير من المتنافسين على الحكم، فعقب سقوط المهدية ظهر مطالبون بالحكم مثل "إبراهيم علي" –عمه السلطان أبو الخيرات- ونظرا لعلاقاته مع الإنجليز في حكومة السودان، فقد طلب أن يدعموه في مواجهة "علي دينار"، فقام السردار الإنجليزي "كتشنر" بدراسة الموقف في دارفور، والمقارنة بين "علي دينار" و"إبراهيم علي" أيهما يصلح للحكم، ورأى أنه من الحكمة عدم السماح بحدوث صراع في دارفور حفاظا على أمنها واستقرارها، وحتى لا تتورط حكومة السودان الخاضعة للإنجليز في صراع يحمل الخزينة تكاليف كبيرة نظرا لبعد دارفور وصعوبة مواصلاتها وندرة الطرق المعبدة للوصول إليها.
ولذا كتب "كتشنر" إلى "علي دينار" يحذره من القيام بأي عمل يكون من شأنه حدوث ثورة أو اضطراب في دارفور، ويخبره بأن الإنجليز يعلمون أنه لم يقاتلهم في "أم درمان" وأنه ترك الميدان قبل المعركة بيوم، وأنه من أحفاد السلاطين الذين حكموا دارفور. كما كتب إلى "إبراهيم" يحذره من الاشتباك مع "علي دينار".
هذا الحياد النسبي من الإنجليز في الصراع بين الرجلين كان فرصة ذهبية لعلي دينار لتدعيم سلطته في دارفور، وخوض معركة ضد "إبراهيم علي" والانتصار عليه في (14 من رمضان 1316 هـ= 26 من يناير 1899م) في منطقة "أم شنقة" داخل الحدود الشرقية لدارفور، وبعد هذا الانتصار سعى "علي دينار" إلى استمالة الإنجليز والتأكيد لهم أنه مخلص لحكومتهم في السودان وأنه يتمنى أن يعتبره حاكم السودان أحد موظفيه.
كان مستقبل العلاقة مع "علي دينار" من الأمور التي تشغل الإدارة الإنجليزية في السودان، وتتم مناقشتها على مستويات عليا، وبنى الإنجليز موقفهم على أن "علي دينار" استطاع أن يوطد نفسه سلطانا على دارفور، وستتكلف الحكومة الكثير إذا أرادت تغييره، كذلك فإنه يصر على إعلان الإخلاص والرغبة في طاعة حكومة السودان، وأن من الأفضل لتلك الحكومة أن تدير دارفور من خلال "دينار" وليس من خلال حاكم مصري أو إنجليزي، وتم توصيف "دينار" على أنه "صديق في الوقت الحاضر"، وبذلك أعاد الإنجليز العمل بالسياسة التي اتبعها الحاكم الإنجليزي "غوردون باشا" عندما ذهب إلى السودان سنة (1301 هـ=1884م) والتي كانت ترتكز على تدعيم حكم السلاطين المحليين كوسيلة فعالة لحكم السودان، ولذا اعترف الإنجليز بـ"دينار" كأمر واقع من الضروري التعامل معه.
وقد حدث تطور مهم سنة (1317 هـ=1900م) عندما تم تعيين البارون النمساوي "سلاطين باشا" –صاحب كتاب "السيف والنار في السودان"- مفتشا عاما للسودان، وكان من مسئولياته إقليم دارفور، وقد شددت الإدارة الإنجليزية في القاهرة برئاسة المعتمد البريطاني اللورد "كرومر" على "سلاطين" أن يحرص على إفهام "علي دينار" أن دارفور تقع ضمن منطقة النفوذ البريطاني-المصري، وأن الإدارة هي التي سمحت له بممارسة سلطات داخلية واسعة في دارفور، وكان الهدف من هذه السياسة تأكيد تبعية دارفور لحكومة السودان.
وأثناء رحلة "سلاطين" في السودان أكد لشيوخ القبائل أنه تم الاعتراف بعلي دينار ممثلا للحكومة في دارفور، وأن على الجميع أن يتعامل معه وفق هذا التوصيف، ورغم ذلك فقد تهرب "علي دينار" من مقابلة "سلاطين" أكثر من مرة عام (1318 هـ=1901م).
العلاقة مع السنوسية: كانت الحركة السنوسية ذات التوجه الديني والإصلاحي قد اجتاحت صحاري شمال إفريقيا حتى حدود دارفور، وكانت ذات زخم وقبول واسع في تلك المناطق، وتزامن صعود هذه الحركة مع بداية حكم "علي دينار" ولذا رأى ضرورة عدم الدخول معها في مواجهة، مع عدم السماح لها بالامتداد داخل دارفور.
ولتحقيق هذه المعادلة الصعبة، لم يتجاوب "دينار" مع طلب الزعيم "محمد المهدي السنوسي" عندما طلب عام (1317 هـ=1900م) من السلطان "علي دينار" السماح له ولأتباعه بالعبور من الأراضي الدارفورية للذهاب إلى الحج، فتعلل بأن بلاده فقيرة جدا ولا تستطيع استضافة السنوسي ووفده الكبير، كما اعتذر عن عدم إقامة زاوية سنوسية في عاصمته "الفاشر"، ورغم ذلك رأى أن السنوسية ليست منافسة لدولته ويمكنه من خلال توثيق علاقاته بها الحصول على السلاح وبعض البنادق الحديثة.
-العلاقة مع سلطنة "واداي": وتقع هذه السلطنة الإسلامية في منطقة تشاد حاليا، وكانت من الممالك الإسلامية الشهيرة، وقد تعرضت في تلك الفترة لاضطرابات كثيرة أضعفتها وجعلتها مطمعا للاستعمار الفرنسي، حيث استطاع الفرنسيون الانتصار على سلطانها "رابح
الزبير" في (22 من ذي الحجة 1317 هـ= 22 من إبريل 1900م) في منطقة "كوسري" على بعد خمسة أميال جنوب بحيرة تشاد، لكن سيطرتهم التامة على "واداي" لم تكتمل إلا عام (1326 هـ=1908م) عندما بسطوا سيطرتهم على المنطقة القريبة من الحدود مع دارفور، وهو ما أقلق "علي دينار" خاصة أن المنطقة الحدودية بين الجانبين كانت مسرحا للمناوشات.
وقد طلب "علي دينار" من حكومة السودان أن تسانده ضد الفرنسيين، وعندما تقاعست حكومة السودان عن مساندته كتب أول احتجاج إلى تلك الحكومة في (1327 هـ= 1909م) بشأن الانتهاكات الفرنسية الحدودية، ووجدت حكومة السودان نفسها في مأزق فتخطيط الحدود بين دارفور وواداي سيكون مستحيلا بدون جلاء الفرنسيين عن المنطقة الحدودية المتنازع عليها، والاعتراف بالادعاءات الفرنسية في تلك المناطق معناه نقض الهدنة مع "علي دينار"، بينما كان هناك اتجاه لعرض القضية على التحكيم، لكن حكومة السودان كانت ملتزمة ببقاء وضع "علي دينار" على ما هو عليه ورفضت رفضا قاطعا أن يقيم أية علاقات خارجية.
-العلاقة مع الجيوب المهدية: عندما سقطت الدولة المهدية في السودان بقي لها عدد من الجيوب في دارفور، وكان أبرز تلك الجيوب "عربي دفع الله" في المناطق الجنوبية من دارفور، و"الفكي سنين حسين" في الغرب، وقد شنت قوات "علي دينار" عدة هجمات على "دفع الله" ودفعته الخسائر التي مني بها إلى أن ينضم إلى "علي دينار" سنة (1320 هـ =1903م) وكان ذلك نهاية الجيب الأول.
أما "الفكي سنين" في منطقة "كباكية" فقد استغرق وقتا وتضحيات من "علي دينار" لتصفيته نظرا لقوته وتأثيره الديني، حيث وجه إليه "دينار" جيشا مكونا من أربعة آلاف مقاتل سنة (1317 هـ=1900م) بقيادة خادمه "كيران" لكن المهدية هزمت ذلك الجيش، فأرسل جيشا آخر في العام التالي من ستة آلاف مقاتل لكن المهدية هزمته، فأرسل جيشا ثالثا سنة (1319 هـ=1902م)من اثني عشر ألف مقاتل بقيادة "محمود ديدنجاوي" وهُزم أيضا.
لم ييئس "علي دينار" من تصفية ذلك الجيب واتبع سياسة الإجهاد الحربي المتواصل لـ"الفكي سنين" حيث قام بغارات متواصلة على منطقة "كباكية" عدة سنوات دون أن يخوض قتالا كبيرا، وفي سنة (1325 هـ= 1907م) وجه جيشا كبيرا وضرب حصارا على "الفكي" لمدة 17 شهرا وانتهى الأمر في (1327 هـ= 1909م) بدخول جيش دارفور "كباكية" وقتل "الفكي".
-العلاقات مع القبائل: شهدت الفترة الأولى من حكم "علي دينار" علاقات متوترة مع القبائل خاصة "المساليت" و"الرزيقات" و"الزيادية" و"المعالية" و"بني هلبة" وامتدت هذه الصراعات إلى نهاية حكمه، وكانت المشكلة الرئيسية هي انعدام الثقة بين الجانبين، فقد كان "علي دينار" يرغب في فرض سطوته عليهم، أما هم فكانوا خائفين منه ومن نمو قوته، وكان لهذه العلاقات المتوترة بينه وبين القبائل انعكاساتها في توتر العلاقة بينه وبين حكومة السودان، وفي استخدام الإنجليز للورقة القبلية ضد "علي دينار" أثناء الحرب ضده واحتلال دارفور بعد ذلك.
كان "علي دينار" حريصا على الانفتاح نحو الخارج وخلق نوع من التواصل بين دارفور والعالم الخارجي رغم حرص حكومة السودان على الوقوف له بالمرصاد في أي خطوة يقوم بها في هذا الاتجاه، فقد رفضت حكومة السودان التجاوب مع رغبة "علي دينار" في نشر كتاب عن حياته بعنوان "العمران" في القاهرة سنة (1330 هـ= 1912م) حيث رفض الحاكم العام للسودان هذا الأمر رفضا قطعيا، ولم يوافق إلا على طباعة ست نسخ فقط من الكتاب للاستخدام الشخصي للسلطان.
وقد تابع الإنجليز محاولات "علي دينار" الانفتاح على بعض الصحف المصرية، وراقبوا اتصالاته بجريدة "العمران" التي كانت تصدر في القاهرة ويُديرها "عبد المسيح الأنطاكي"، والتي كان يدعمها "دينار" بالمال، ورغم ذلك ؛ فقد كانت بعض الصحف المصرية النزيهة تنظر باحترام إلى "علي دينار" مثل صحيفة "اللواء" التي كان يُصدرها الزعيم المصري "مصطفى كامل" وتعتبره بادرة طيبة على طريق التحرر من السيطرة الاستعمارية، ونشرت مقالا مهما عنه في (2 من ربيع الآخر 1318 هـ=29 يوليو 1900م) عنوانه "علي دينار مسالم لا مستسلم"، ثم نشرت مقالا آخر بعد عامين بعنوان "محاولة التدخل الإنجليزي في شئون دارفور وفشلهم في ذلك".
وكان لعلي دينار دوره في العلاقات الإسلامية، فقام بحفر عدد من الآبار على مشارف المدينة المنورة عرفت بـ"آبار علي" نسبة إليه، وأصبحت ميقاتا لبعض الحجيج، كما كان له أوقاف بالحجاز.
أما موقفه من دولة الخلافة العثمانية، فكانت علاقته بها أثناء الحرب العالمية سببا رئيسيا في تحرك الإنجليز ضده للقضاء عليه وتقويض سلطنته؛ فعندما اشتعلت الحرب العالمية الأولى ودخلتها تركيا ضد إنجلترا، تغيرت الأوضاع ؛ فقد كانت مصر تابعة من الناحية الاسمية لدولة الخلافة، في حين أنها خاضعة من الناحية الفعلية لسيطرة الاحتلال الإنجليزي، وكان خديوي مصر "عباس حلمي" مساندا للخلافة ضد الإنجليز، ولذا قام الإنجليز بعزله وتعيين عمه "حسين كامل" سلطانا على مصر، وفي (18 من ربيع الأول 1333 هـ=3 من فبراير 1915م) أرسل وزير الحرب التركي "أنور باشا" خطابا إلى "علي دينار" يطلب منه مساندة تركيا في حربها ضد الحلفاء، وقد زاد من خطورة تلك الرسالة تحرك الأتراك مع السنوسية في ليبيا لتحريكهم ضد الوجود الفرنسي في بلاد المغرب ومنطقة تشاد، وضد الإنجليز في مصر والسودان.
ويبدو أن "علي دينار" بنى موقفه على أن ألمانيا وتركيا هما المنتصران في الحرب ضد الحلفاء، وأن عليه تقديم العون لتركيا حتى يجني ثمار هذه المساعدة بعد انتهاء الحرب، وإن كان ذلك لا يمنع انطلاق "علي دينار" من عاطفة وحمية دينية لمساندة دولة الخلافة ضد أعدائها من الفرنسيين والبريطانيين الذين أطلق عليهم صفة "الكفار".
أما البريطانيون فرأوا أن "علي دينار" قام بانقلاب في السياسة الدارفورية الخارجية نظرا لأنه كان يعاني من فقدان شعبيته فأراد أن يعوض ذلك باللجوء إلى الدين، وأيا ما كان الدافع وراء تمرد "علي دينار" على الإنجليز فقد وقعت الوحشة ثم القتال بين الجانبين، ورأى الإنجليز في البداية ضرورة تأليب القبائل عليه لإضعاف سلطته تمهيدا لحربه، فتم تسليح قبائل "الرزيقات" وتحفيزهم ضده، وتم استغلال شائعة أن السلطان "علي دينار" يجهز تعزيزات من الفور في منطقة جبل الحلة كذريعة لحربه؛ خاصة بعد تحسن الموقف العسكري للإنجليز في مصر ونجاحهم في القضاء على خطر السنوسية على الحدود الغربية لمصر.
وقد بدأت الحرب بين الجانبين في ( ربيع الآخر 1334 هـ= مارس 1916م)، ووقعت عدة معارك داخل أراضي دارفور كان أهمها معركة "برنجيه" الواقعة قرب العاصمة الفاشر، وتمكن الإنجليز من تبديد جيش دارفور البالغ 3600 مقاتل بعد أربعين دقيقة من القتال، وقتل في المعركة حوالي ألف رجل من جيش دارفور، وعندما علم "علي دينار" بالهزيمة استعد للقتال مرة أخرى للدفاع عن الفاشر، لكن الجيش الذي كان تحت يديه لم يكن مدربا ولم يكن يمتلك أي أسلحة حديثة، كما أن الإنجليز استخدموا الطائرات لأول مرة في إفريقيا، وكانت هذه المرة ضد جيش "علي دينار"، وتم لهم السيطرة على الفاشر في (22 من رجب 1334 هـ = 24 من مايو 1916م) ففر السلطان بأهله وحرسه نحو جبل مُرّة، وهناك تم اغتيال
"علي دينار" أثناء صلاته الصبح على يد أحد أتباعه في (11 من المحرم 1335 هـ=6 من نوفمبر 1916م) بعدما رفض الإنجليز قبول أي تفاوض معه للاستسلام.
لقد عبر علي دينار عن تطور ملحوظ في الوعي السياسي للقادة المحليين في السودان وأفريقيا، وعن درجة كبيرة من الوعي الديني والإداري، حيث استطاع إقامة سلطنته في غرب السودان، وكون لها شبكة من العلاقات الخارجية كشفت عن وعي سياسي ناضج، وسعى لبناء سلطنته وفق نظام داخلي جيد مقارنة بالإمكانات التي كانت متاحة له في ذلك الوقت؛ حيث كوّن مجلسا للشورى، وعين مفتيا لسلطنته، ومجلسا للوزراء، وبدأ في تكوين جيش حديث، وأوكل تدريبه إلى ضابط مصري، ووضع نظاما للضرائب يستند إلى الشريعة الإسلامية
علي دينار ومحمل الحرمين الشريفين
في خلال الفترة التي قضاها السلطان على دينار من يناير 1899 إلي هزيمة جيشه في مايو 1916 قام خمس مرات بتسيير المحمل الشريف في أعوام 1903، 1904، 1906، 1909، و 1913. ومن خلال بحثنا في دارالوثائق المركزيه في الخرطوم لمشروع نعد له عن السلطان علي دينار، وقفت على العديد من الوثائق هي عبارة عن مكاتبات رسمية بشأن المحمل الشريف عن الأعوام أعلاة بين السلطان على دينار وسلاطين باشا مفتش عموم السودان، وهو المسؤل عن سياسة دولة الحكم الثنائي تجاه دارفور. هذه المكاتبات يجب النظر إليها في ظرفها التاريخي فهي دالة أيضاً على الوضع الحرج لدولة الحكم الثنائي في سياستها تجاه علي دينار وفي أحشائها دارفور المستقلة بسلطانها وعملتها "رضينا" الحاوية لعبارة "ضرب في الفاشر". فكل الخطابات المرسلة من سلاطين وغيرة لعلي دينار تتم ترجمتها من أصلها الإنجليزي بواسطة موظفي الدولة قبيل إرسالها. وعند إقتباسنا من الخطابات المضمنة في هذا المقال فقد أبقيتها كما وردت في الأصل، دون تعديل لغلطاتها النحوية والأملائية، وهي تعكس أيضاً نهجين فريدين في المكاتبات الرسمية بين الرجلين. ولمن أراد تصفح خطابات مغايرة تماماً في لهجتها واسلوبها وفخامتها (باللغة العربية) فليراجع كتابي لدوين كابجن و جي سبولدنق الصادرين بالإنجليزية بعنوان: "بعد الألفية: المكاتبات الدبلوماسية بين دارفور ووداي قبيل الفتح الأستعماري 1885- 1916"، والآخر باسم: "الحلف الإسلامي: علي دينار والسنوسية 1906-1916".
جميع الوثائق المشار إليها في هذا المقال بـ. Intel هي أرقام الملفات الحاوية لهذه المكاتبات وهو إختصار لكلمةIntelligence وهي تعني: "مخابرات"
المحمل الشريف لعام 1903
بعد وصول على دينار إلي دارفور بثلاث أعوام قام بتسيير المحمل النبوي الأول، ففي خطاب لسلاطين باشا بتاريخ 6 رجب 1321 الموافق 27 سبتمبر 1903 و رد فيه:
"مفتش عموم السودان سعادتلو افندم: أهدي قدركم السامي السلام وتكرار التحيات العظام واعلم مكارمكم افندم أنني قد وجهت الأفكار بإرسال الوقف للحرمين الشريفين وقد تجهز الآن قادماً لأرض الحجاز صحبة المعين من ملوكنا المكرم صالح علي ومن معه من الرجال قادماً فغاية الأمل حال وصوله أمدرمان لم يتأخر غير راحة يوم أو يومين فحالاً تقوموا بواجبات سفره بكافة من معه وتحرروا له الرواح لمديرون المحطاة بربر ولغاية سواكن بسرعة قدومهم وشمول نظر سعادتكم نحوهم حين وبعد عودتهم يفادونا بهم وهما عل اثر جوابكم يأتونا كما أملي في سعادتكم رجائي في علوهمتكم ادام الله بقاكم.
6 رجب 1321 (المرجع: Intel. 7/1/5)
وقد طلب السلطان علي دينار من ممثل حكومة دولة الحكم الثنائي ترحيل وفدة على نفقة الحكومة: " أفندم ان جماعتنا القادمين جميعهم صحبة محملنا أملنا ان يرحلوهم على جانب المدير إكراماً لذالك كما المأمول ولا يأخذون منهم أجرة في ذهابهم وإيابهم كما المعهود في معاليكم".
المحمل الشريف لعام 1904
لم يصل جميع ما حواه هذا المحمل هدفه المنشود في الحجاز رغم إستبشار علي دينار بسفره كما ورد في خطابه لسلاطين باشا بتاريخ 27 جمادي آخر 1322، الموافق 7 سبتمبر 1904:
".. وزيادة سرورنا وحبورنا قيامكم في أمر المحمل النبوي الذي بعث منطرفنا للحرمين الشريفين مكة المشرفة والمدينة المنورة وعلى ساكنها أفضل الصلاة والسلام ومقابلتكم بالأكرام والأجلال والراحة في كافة لوازم تسهيلاته وسرعة سفريته على جانب أعتاب الحكومة العادلة في ذهابة وإيابه.... وقد تم وصول جمل المحمل ومن معه من المعينين بالسلامة" (المرجع: (Intel. 7/1/6
وقد واسى السردارالسلطان علي دينار في حادثة نهب المحمل في خطاب ورد فيه: "..وقد أسفت ان الأمانة التي أرسلتوها مع المحمل لم تصل مكة المكرمة"
(المرجعIntel 7/3/5/155
أما سلاطين باشا فقد حاول إثناء السلطان علي دينار بأعادة النظر في المحمل السنوي للحجاز كلية كما ورد في ذات العام:
"جناب السلطان: أن الحكومة لن تدخر وسعاً في منح المساعدة للمحمل الشريف وسوف لن نتأخر على هذا حرصاً منها على إحترام الدين والشعائر الإسلامية، وأنا متأسف لعدم وصول هديتكم المرسله لبيت الله الحرام. وطالما أن الطريق بعيد وفيه صعوبات فأري أنه لايوجد موجب لإرسال هذا المحمل كل سنه بل كل سنتين او ثلاثة لأن الثواب ليس بكثرة التردد والمواصلة بل بحسن النية. وان شئت زيادة الايضاح عن هذا الأمر فبعد عودتي من المأمورية التي أنا متوجه بها سأزيدكم إيضاحاُ عن هذا الأمر. سلاطين" (المرجع Intel7/3/5/24)
المحمل الشريف لعام 1906
وعن حج هذا العام ترد الإشارة كتابة الي عدد حجاج بيت الله الحرام القادمين من دارفور. كما نلحظ أيضاً إنتهاز السلطان لموسم الحج لشراء حاجيات السلطنة مما يتعذر وجودها في السودان كما ورد في خطاب علي دينار لسلاطين باشا بتاريخ 18 شعبان 1324 الموافق 3 ديسمبر 1906:
"..وأما بيان الناس المتوجهين للحجاز مع المحمل واصل إليكم بالكشف مرفوعه لأطلاعكم عليه وهم رجال ونساء ... وأيضاً أعطوا مرسولنا محمد الشيخ سيماوي أمر كافي تأذنوه فيه بمشترى التي تليق بنا وتكون من آلات السلطنة ويجدها هنالك من يشتريها ويجهزها الينا ولا يتعرضه فيها أحد بكافة جهات الحكومة أفندم" (المرجع Intel 7/3/7/13)
وفي ذات الخطاب وردت الأشارة إلي أن في معية المحمل: ".. 11 ونصف قنطار سن فيل و17 مربوع ريش نعام و 30 رطل ريش نعام أسود، و34 رطل ريش ربده" وكان أمر على دينار لرسله: "..إذا وجدوا مباعها حسن في أمدرمان فيجب عدم أخذ إي عوايد، وإلا فيتوجهوا بها إلي الحجاز" (المرجع Intel 7/1/8/176).
وفي هذا العام قام الحاكم العام بتفقد المحمل، وبترحيل الشييخ السيماوي أمير المحمل على نفقة الحكومة إكراماً له كما ورد في خطاب سلاطين باشا لعلي دينار بتاريخ 3 ديسمبر 1906:
"المكرم: أخبركم ان رسولكم محمد الشيخ سيماوي أمير المحمل ومن معه من الخلفاء والمشايخ قد وصل وقابل سعادة افندم السردار والحاكم العام وشاهد المحمل وكامل المعدات التي أرسلتموها. بخصوص الترحيل فالسكة حديد لها إدارة خاصة بذاتها، سيتم ترحيل الشيخ سيماوي ورجالكم على طرف الحكومة إلى سواكن ويرحلوا الحجاج الآخرين بنصف الأجرة، أما السعر من سواكن إلي جدة فالوابورات هنالك ملكاً للتجار ولشركات أجنبة، وأجرتها زهيدة للغاية. سلاطين" (المرجع Intel 7/3/7/13)
وقد كان عدد الحجيج ذلك العام من دارفور حوالي الثلثمائة من رجال ونساء، ورغم جهود الشيخ السيماوي في تسفير نفسه وغيره على نفقة الدولة، الا ان بيروقراطية النظام الأستعماري بخلت بمالها وقامت بمطالبة علي دينار بتسوية العجز المالي كما ورد في خطاب سلاطين باشا لعلي دينار بتاريخ 10 مارس 1907:
".. أنتهز الشيخ سيماوي فرصة مقابلة السردار في الخرطوم وطلب منه الأذن بترحيل جميع الحجيج على نفقة الحكومة بحجة قلة نقودهم رغم أنك كتبت لنا أن معهم ما يكفي منه، وعددهم نحو ال 300 وقد لزم لهذه الغاية 265 جنيه علاوة على المبلغ المتفق معه مع الشيخ سيماوي، وقد دفعت الأدارة العمومية قبول هذه المصروفات، وقد طلب من السردار حل هذه القضية المالية، فكتبت لهم بأني سوف أضطر لبيع الجمال والخيول الهدايا المرسلة لتسديد المصروفات لترحيل المحمل، ولكني قد حافظت على حصاني الذي ورد إلي منكم عربوناً على محبتنا وصداقتنا – كل هذا بسبب تصرف الشيخ محمد سيماوي. سلاطين" (المرجع Intel 7/3/8/185).
المحمل الشريف لعام 1909
لحج هذا العام تم إعلام سلاطين باشا بخبر المحمل قبل وقت كاف كما يتضح في هذا الخطاب المعنون له بتاريخ 20 جمادى آخر 1327 الموافق 8 يوليو 1909:
"فريق ومفتش السودان العام سعادتلو أفندم. من بعد السلام اللطيف لذاك المقام المنيف نخبر جناب سعادتكم افندم يكون معلوم اننا فيهذا العام عازمين على إرسال المحمل الشريف للحرمين الشريفين انشالله ومن الوجوب اعلامكم بذلك افندم. سلطان عموم دارفور والغروب، السلطان على دينار بن السطان زكريا" (المرجع Intel 2/4/15).
ونسبة لبعد دارفور، فالامل حينها في مساعدة الدولة بتذليل صعاب السفر من الخرطوم للحجاز، كما ورد في هذا الخطاب من على دينار لسلاطين باشا بتاريخ 16 رمضان 1327 الموافق 30 سبتمبر 1909:
"فريق ومفتش السودان: .. أفندم أن أوان الحج آن وجهزنا المحمل الشريف للحرمين الشريفين وقادم به منطرفنا مرسولنا محمد الشيخ سيماوي بعد تمام وصوله بالخرطوم أملي سعادتكم تعديته بوجه السرعة". (المرجع Intel (7/1/1/298.
المحمل الشريف لعام 1913
هذا هو المحمل الشريف الأخير للسلطان علي دينار وهو آت مع بوادر الحرب العالمية الأولي، حيث أستقال خلالها سلاطين باشا من منصبه لكون دولته النمسا في المعسكر المعادي لبريطانيا، وقد صادف وصول هذه الخطابات وسلاطين باشا في مصر في إجازة إلا أن ذلك لم يمنعه من مخاطبة علي دينار في ذلك الظرق الدقيق. ففي خطاب من علي دينار لسلاطين بتاريخ 15 شوال 1331 الموافق 16 سبتمبر 1913، ورد فيه:
" فريق ومفتش السودان العام سعادتلو افندم حضرتلري. من بعد السلام اللطيف لذاك المقام المنيف نعرض لجناب دولتكم افندم أن محملنا لله ورسوله مضت لنا في إرساله عدة أعوام ولم أرسلناه وفيهذا العام أستصوبنا أرساله وهاهو قادماً للحرمين الشريفين بعون الله معية خدامنا محمد الشيخ سيماوي والخدما المحافظين على المحمل الشريف ومعهم الحجاج من الوطن ومن حيث أنه من الواجب أعلام سعادتكم بما ذكر فلزم عرض هذا لجناب سعادتكم وبه أرجوا من الحكومة تعديهم على جناح السرعة لموافات الحج بالراحة حسب المعهود في عدالتها وتفيدون بما يتم في أمرهم بعد التوجه ونكون ممنون ومتشكر أفندم." (المرجع Intel 7/2/15/437).
ونسبة لتأخر موعد المحمل فقد أبرق سلاطين باشا مفتش النهود بتاريخ 16 أكتوبر 1913، بخبر المحمل:
"تلغراف من مفتش السودان العام إلي مفتش النهود. الأمل إرسال التلغراف الأتي مع رسول خاص الى جبل حلة لأجل توصيله من هنالك للسلطان علي دينار بالفاشر بأقرب مايمكن من الوقت. قف. المحمل وصل الى الخرطوم وسيتوجه هذين اليومين بمساعدة الحكومة هذا ولكم جزيل الشكر. مفتش السودان. مصر" (المرجع Intel 7/3/14/286).
ومتابعة للرسالة التلغرافية، فقد قام سلاطين باشا بإعلام علي دينار بسفر المحمل كما ورد في خطابه له بتاريخ 27 أكتوبر 1913:
" أخبركم أنني أخبرتكم تلغرافياً عن المحمل الذي جهزتموه هذه السنة والآن أخبركم ان هذا المحمل قد سافر على الطائر الميمون مع رجالك الي بيت الله الحرام بمساعدة الحكومة ومعونتها وأنشاء الله يعود على الجميع قريباً بالسلامة وقد قاموا بهذه الزيارة الشريفة الي بيت الله الحرام وسنفيدكم بوصولهم، هذا مالزم واطال الله بقاؤكم. سلاطين" (المرجع (Intel 7/3/14/22 .
وعن الحاج السيماوي ففي وثيقة مخابراتية Intel. 2/7/36 بتاريخ 1 نوفمبر 1921، تمت الإشارة إلي أن الشيخ محمد السيماوي وهو من قبيلة الدواليب في كردفان، قد عاش في أمدرمان في الفترة المهدية، وجرح في معركة كرري، بعدها ذهب إلى دارفور وكان أمير المحمل ثلاث مرات، وفي عام 1910 قابل الخديوي عباس. بعد هزيمة جيش علي دينار في برنجية قبض على الشيخ السيماوي محارباً في جبل مرة في 22 يناير 1917، وتم نفيه إلي حلفا كسجين سياسي. وبعد عام تم تحويله إلي السجن السياسي في طرة بمصر، وبعدها تم إرجاعة إلي سجن وادي حلفا.
مداعي التشكيك حول تدين السلطان علي دينار، وتبخيس الشأن الدارفوري
إن الكتابة عن أي شخصية عامة هو حق إنساني مشروع للجميع، ولن تتضح الرؤية إلا بمزيد من الكتابة الجادة التي تجعل الحقيقة جل مبتغاها صنواً للوقائع والحقائق التاريخية. وعن مقال الأخ سيف الدين مختار فرغم إيراده للكثير من الأراء المتناقضة عن المواضيع التي أثارها، إلا أنه سار في معية الرافضين لأي فخر لدارفور، وبدون تحليل لهذا التناقض كما يراه في الأراء المزعومة حول أيلولة "آبار على"، "كسوة الكعبة"، و"حوش على دينار" في جدة. فمقدمة سيف الدين الطويلة عن تبجيله للسلطان على دينار وفخاره به، لم تدفع به للأخذ بالآراء المعظمة له، بل إختار ضدها. وهنا يمكننا السؤال عن مدلولية إرتباط مسمى "آبار علي" بالسلطان على دينار، ليس فقط عند السودانيين وحسب، بل ولدى غيرهم من الذين أشار إليهم الأخ سيف الدين فى مقاله. فمع التأكيد بكون مسمى "آبار علي" هي سابقة للسلطان علي دينار، فإرتباط اسم علي دينار بهذه الآبار يمكن إرجاعه أيضاً لدوره في صيانتها وتجديدها خدمة في راحة الحجيج. فصيانة الآبار و"تكحيلها" هو تقليد قديم ومتوارث في دارفور ومناطق السودان الأخرى العميق سبر غورها. كما علينا أن نتذكر بأن الديار الحجازية في ذلك الزمان ليست كما هي عليه الآن من رخاء وبسط في العيش، فهي الآن قد طوت صفحات التعيش بما يتصدق به "الغرباء" لها بما في محاملهم، وصارت وحدها الكاسية للكعبة المشرفة. إن أهتمام حكام دارفور بأرض الحجاز وإغداق الهدايا علي الحرمين الشريفين لم تبدأ بعلي دينار. فقد أورد أستاذي الدكتور أحمد عبد الرحيم نصر في كتابه: "الأغوات: دراسة تاريخية مقارنة لأغوات المسجد الحرام بمكة والمسجد النبوي بالمدينة" بأن سلاطين دارفور قاموا بأرسال من صاروا أغواتاً في المسجدين الشريفين: المكي والمدني. وفي وثيقة أشار لها الكاتب بأن السلطان إبراهيم قرض قد قام عام 1291 هجرية الموافق 1874 عام قتله علي يد الزبير باشا رحمة، أرسل صرة للحجاز: ".. وزع منها في مكة ألف ريال للأغوات كافة، وأربعمائة ريال لأغوات أبيه السلطان حسين محمد الفضل واربعمائة ريال مقابل دخول أخوين أثنين في سلك الأغوات، ووزع منها في المدينة المنورة ألف ريال لكبير الأغوات .. وألف ريال لأغوات مفتاح الحجرة الشريفة" (نصر ص 1، ورئيس الإغوات في الحرم النبوي الحاج عبد السلام جمعة ورفيقه الحاج جاه الله جميعهم من دارفور. وهذا الزخم من الهدايا للحرمين الشريفين في معية الحجاج أكده أيضاً الكاتب الفرنسي دولاتور في مقاله المنشور عام 1850، وقبله الكاتب الأنجليزي براون بعد زيارة دارفور عام 1798 كما دونه في كتابه (Travels in Nubia).
وعلى ذات المنوال لنا أن نتسائل عن مسمى "حوش على دينار" والذي سمع به الكثيرون قبل ان يروه، وكون ان الزعيم الأزهري كما ذكر الأخ سيف الدين قد قام بشراءه عام 1954 أي بعد أكثر من خمسين عاماً لتسيير أول محمل للسلطان على دينار للحرمين الشريفين. ومع إنتظارنا لوثيقة أيلولة "الحوش" للحكومة السودانية، لنا أن نلحظ لهفة المتشدقين بالدين بأختزال كل المفاخر السودانية في الديار الحجازية إلى صراع يسعون إليه حول أحقية ملكية الارض. فلن يغني أهل دارفور أيلولتها إلى الحكومة السعودية أو غيرها، فأين هم مواطني دارفور من أراضيهم في دارفور عينها والتي هُجروا منها قسرأ تحت سمع وبصر الدولة المتتشدقة إسلامية. فلا أحد يستطع إنكار أن ذات الأرض مركز صراع المتلهفين حول جيف الحياة الدنيا تحكي تاريخاً ناصعاً عن ماضي دارفور، وهي مفخرة لعموم السودانيين. فعلى ذمة العارفين بجدة، ظل "حوش على دينار" هكذا، وهو أشبه بالخرابة، والكل يدع أحقيته الشرعية به من مواطنين كثر، والآن جاء دور الحكومة بضراعها وصكوكها، في صراع الأحقية، وكأن جيوب محتسبيها المتخمة بما تم نهبه وسلبه من دارفور في الأعوام الثلاث الماضية، والمستمرة الحالية، لم تكن بالكافية. فأن كنا حقاً لجد غيورين على السلطان علي دينار فلماذا لم نتوقف حول دلالات التسمية: "حوش علي دينار" وهو لفظ جارٍ قبل "الإنقاذ"، ولماذا "علي دينار" دون غيره من الملوك و"الأشراف" السودانيين. أن إثبات الحق السوداني، وأفضاله لا يمكن تأريخه بإستقلال السودان، وإنما أيضاً بتبني إسهامات الكيانات الأخري المتشكلة للسودان القديم في رقعته الجغرافية. فأن كنا نتباهي بتليد تاريخنا من بعانخي وتهارقا والأسرة الخامسة والعشرين التي حكمت مصر الفرعونية كما في منهجنا المدرسي، فلماذا ننظر بعين الريبة لأفضال دارفور، أنه لأمر عجب. فعوضاً عن مناقشة الحق الأدبي لدارفور في أرض الحجاز، بكل دلالاته، إنصب الهم الآن حول الحق القانوني لقطعة الأرض، ربما من أجل شراءه وإستثمارة كما هو الحال عليه الآن في السودان، ولكن فالحق أبلج.